حقائق الإسلام
القرآن معجزة
عقلية
المتأمل للمعجزة التى أيـََّد الله
بـها خاتم المرسلين سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم فى ضوء معجزات الأنبياء
السابقين، يرى أن معجزات الأنبياء قبل رسول الله صلى الله عليه وسلم كانت معجزات
حسية: كسفينة نوح وعصا موسى وناقة صالح ... إلخ. أما معجزة خاتم الأنبياء والمرسلين
- عليهم الصلاة السلام أجمعين - فلم تكن شيئًا من جنس هذه الخوارق المادية، فلا هى
سفينة نوح ولا عصا موسى ولا ناقة صالح، ولا شيئًا من ذلك، إنما كانت قرآنًا يوحى من
الله عز وجل.
إنـها معجزة لا تدرك بالعين والأذن
والحواس الظاهرة وإنما تدرك بالعقول، فالقرآن الكريم معجزة عقلية، ومن هنا ندرك
الحقائق التالية :
إن كانت المعجزات الحسية من الخوارق
المادية معجزات باهرة للعقل ومدهشة لـه، لكنها لا تحتكم إليه، فإن المعجزة العقلية
(القرآن الكريم) ترشد العقل وترقى به، وتعظم من دوره فتحتكم إليه وتجعله أساس
التكليف.
والقرآن معجزة عقلية يقوم إدراكها على
التفكير والتدبر والفهم والعلم ومحاربة التقليد الأعمى أو التسليم لتبعية الهوى.
وعشرات الآيات تؤكد هذه الحقيقة، ويكفى تأمل المفردات التالية فى آيات القرآن لتكون
دليلاً قاطعًا : أولى الألباب، أفلا تعقلون، يتفكرون، يعقلون، يتدبرون ... إلى آخر
ألفاظ الإدراك والفهم فى آيات القرآن الكريم، كما فى الآيات الكريمة:
( أَفَلَمْ
يَسِيرُواْ فِي الأَرْضِ فَيَنظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِن
قَبْلِهِمْ وَلَدَارُ الآخِرَةِ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ اتَّقَواْ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ
) يوسف/109.
( وَهُوَ
الَّذِي مَدَّ الأَرْضَ وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْهَارًا وَمِن كُلِّ
الثَّمَرَاتِ جَعَلَ فِيهَا زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ
إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ) الرعد/3.
( أَفَلاَ
يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُواْ
فِيهِ اخْتِلاَفًا كَثِيرًا) النساء/82.
( وَهُوَ
الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُواْ بِهَا فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ
وَالْبَحْرِ قَدْ فَصَّلْنَا الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ ) الأنعام/97.
(
وَتَزَوَّدُواْ فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُوْلِي
الأَلْبَابِ ) البقرة/197.
( إِنَّ فِي
خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ
لِّأُوْلِي الألْبَابِ ) آل عمران/190.
ومن هنا يتأكد لنا أن التعامل مع هذه
المعجزة العقلية ينبغى أن يكون فى مستوى الرشد والوعى المناسب لها، وألاَّ نتراجع
بهذه المعجزة العقلية إلى المعجزات الحسية، وأن نرقى بهذه المعجزة العقلية بعيدًا
عن الأوهام والخرافات.
والقرآن معجزة عقلية لها الخلود؛
لدوام تأثيرها فى العقل على مر العصور، ولا ترتبط بعصر نزول القرآن، كما هى الحال
فى المعجزات الحسية، والعقل الإنسانى مطالب فى كل لحظة وكل زمن بتدبر الخطاب
الإلهى، والوعى بأساليب القرآن فى صياغة الأمة صياغة حضارية.
وهذه رسالة إلى من اتخذوا الغرب قبلة
حضارية وفكرية ورأوا فيهم المدينة الفاضلة ونبذوا القرآن وراء ظهورهم، واستطاع
الغرب من خلال هؤلاء أن يشق وحدة عقل الأمة، ولا يزال الغرب يحاصر محاولات يقظة
العقل المسلم، ليبقى الفراغ فى الحياة الفكرية فرصة للغرب كى يملأه بالتغريب.
وإن عَجَزْنا فى ظروفنا المعاصرة عن
الجهاد القتالى للمستعمر لفارق القوة، فما بالنا نتثاقل عن الجهاد المدنى وهو أساس
التغيير.
وَمَا يَذَّكَّرُ
إِلاَّ أُوْلُواْ الأَلْبَابِ
|
|